الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المسالك والممالك **
والأمم والأجيال المطيفة بها الأمم والأجيال المخألفة الإسلام مكتنفة له من جميع أطرافه ونهايات أعماله منهم المتقارب من دار مملكته ومنهم المتباعد عنها وكانت ملوك الطوائف الذين ملكهم ذو القرنين يؤدون الأتاوة إلى ملك الروم خمسمائة وإحدى عشرة سنة إلى أن جمع أردشير بن بابك المملكة بعد مشقة وطول مجاهدة فمنع حينئذً الأتاوة التي كانت الفرس تؤديها إلى الروم بعد مشقة فينبغي أن لا يكون المسلمون لصنوف أعدائهم أشد حذراً منهم للروم وقد جاءت بذلك آيات يظهر بها حقيقة ما قلته والله الموفق للمصلحة بقدرته فلما كانت الروم على ما وصفتُ وجب أن نقدّم الكلام في الثغور المقابلة لبلدهم على الكلام في غيرها فنقول إن هذه الثغور منها بريّة تلقاها بلاد العدو وتقاربه من جهة البر ومنها بحرية تلقاه وتواجهه من جهة البحر ومنها ما يجتمع فيه الأمران وتقع المغازي من أهله في البر والبحر والثغور البحرية على الإطلاق سواحل الشام ومصر كلها والمجتمع فيه الأمران غزو البر والبحر الثغور المعروفة بالشامية فلنبدأ بذكرّها وهي: طرسوس وأذنة والمصيصة وعين ذربة والكنيسة والهارونية وبياس ونقابلس وارتفاعها نحو المائة ألف دينار. ينفق في مصالحها وسائر وجوه شأنها وهي المراقب والحرس وألفواثير والركاضة والموكلين بالدروب والمخايض والحصون وغير ذلك مما جانسه من الأمور والأحوال ويحتاج إلى شحنتها من الجند والصعاليك وراتب مغازيها الصوائف والشواتي في البر والبحر في السنة على التقريب مائتي ألف دينار. وعلى المبالغة وهي أن يتسع ثلاثمائة ألف دينار. والذي يلقاها من بلاد العدو ويتصل بها أما من جهة البر فالقبادق ويقرب منها الناطليق ومن جهة البحر سلوقية وعواصم هذه الثغور وما وراءها إلينا من بلدان الإسلام وإنما سمي كل واحد منها عاصماً لأنه يعصم الثغر ويمده في أوقات النفير ثم ينفر إليه من أهل أنطاكية والجومة والقورس ثم يلي هذه الثغور عن يمينها وجهة الشمال منها الثغور المعروفة بالجزرية وأول ما يحادّ الثغور الشامية منها: مرعش ويليه ثغر الحدث وكان يلي هذه زبطرة فخربت أيام المعتصم وكان له عند النهوض إلى بلاد العدو حتى فتح عمورية الحديث المشهور فلما انتهى إلى موضع زبطرة بنى مكانها وبالقرب منها حصوناً لتقوم مقامه وهي الحصن المعروف بطبارجي والحصن المعروف بالحسينية والحصن المعروف ببني المومن والحصن المعروف بابن رحوان ثم يلي هذه الحصون ثغر كيسوم ثم ثغر حصن منصور ثم ثغر شمشاط ثم ثغر ملطية وهو الخارج في بلد العدو من جميع هذه الحصون وكل واحد بينه وبين بلد العدو درب وعقبة وثغر ملطية مع بلد العدو في بقعة وأرض واحدة وكان يواجه هذه الثغور ويقابلها من بلد الروم خرشنة وعمل الخالدية فحدث في هذا الوقت بينهم وبين الروم والأرمن الذين في جملة مليح الأرمنيّ في بلد كان يسكنه قوم يسمَّون العمالقة وهم من الروم إلا أنهم يخالفونهم في كثير من أديانهم وكان هؤلاء مع المسلمين يعينونهم في غزواتهم ويتوفر على المسلمين المعونة بهم إلى أن رحلوا دفعة واحدة عن هذا الموضع بإساءة أهل الثغور معاشرتهم وقلة إشراف المدبرين على أمرهم فتفرقوا في البلاد وسكن مكانهم هؤلاء الأرمن وابتنوا الحصون المنيعة ثم صارت لهم العدة الكثيفة والمعرّة الشديدة وارتفاع هذه الثغور مع ملطية سبعون ألف دينار. يصرف منها في مصالحها أربعون ألف دينار. ويبقى ثلاثون ألف دينار. ويحتاج لنفقة الأولياء والصعاليك على التجزئة مائة ألف وعشرون ألف دينار. تنضاف إلى البقية وعلى المبالغة مائة وسبعون ألف دينار. تنضاف إليها تتمة مائتي ألف دينار. سوى نفقات المغازي في أوقاتها وهذه الثغور هي الواسطة ومنها كانت تقع المغازي فإن احتيج إلى الغزو منها كانت النفقة حسب الغزاة وعواصم هذه الثغور دلوك ورعبان ومنبج ويلي هذه الثغور عن يمينها أيضاً وفي جهة الشمال الثغور المسماة بالبكرّية وهي سميساط وحاني وملكين وحصون منها جمح ومنها حوران ومنها الكلس وغيرها ثم ثغر قاليقلا في جهة الشمال عن هذه الثغور زيادة إلا أنه كالمنفرد لما بينه وبينها من المسافة البعيدة والذي يقابله هذه الثغور من أعمال الروم عمل الأرمنياق وبعض عمل الخالدية ويقرب منها عمل أفلاغونية المتصل ببلاد الخزر وارتفاع هذه الثغور في السنة ألف ألف وثلاثمائة ألف درهم تحتاج نفقاتها في مصالحها وحصونها وأرزاق شحنها إلى هذا المقدار وزيادة ألف ألف وسبعمائة ألف درهم تتمة ثلاثة آلاف ألف درهم. وأما الثغور البحرية وهي سواحل جند حمص أنطرطوس وبلنياس واللاذقية وجبلة والهرياذة وسواحل جند دمشق عرقة طرابلس وجبيل وبيروت وصيدا وحصن الصرفند وعدنون وسواحل جند الأردن صور وعكا وبصور صناعة المراكب وسواحل جند فلسطين قيسارية وأرسوف ويافا وعسقلان وغزة وسواحل مصر رفح وألفرما والعريش ومقدار ما يغزو في الغزاة من مراكب الثغور الشامية ما يجتمع إليها من مراكب الشام ومصر من الثمانين إلى المائة والغزاة إذا عزموا عليها في البحر كوتب أصحاب مصر والشام في العمل على ذلك والتأهب له يجتمع بجزيرة قبرس ويسمى ما يجتمع منها الأسطول كما يسمى ما يجتمع من الجيش في البر المعسكرّ والمدبر لجميع أمور المراكب الشامية والمصرية صاحب الثغور الشامية ومقدار النفقة على المراكب إذا غزت من مصر والشام نحو مائة ألف دينار. وإذ قد ذكرّنا أمر الثغور الرومية وأسبابها فلا بأس أن نذكرّ من أحوال الروم ما ينتفع بعلمها فأول ذلك بترتيب جيوشهم وهو أن البطريق يكون رئيساً على عشرة آلاف مع كل بطريق طومرخان وكل طومرخ على خمسة آلاف ومع كل طومرخ خمسة طرنجارين كل طرنجار على ألف ومع كل طرنجار خمسة قمامسة كل قومس على مائتين ومع كل قومس خمسة قمطرخين كل قمطرخ على أربعين ومع كل قمطرخ أربعة داقرخين كل داقرخ على عشرة فأما عدة جيوشهم فمنها بقسطنطينية وهي حضرة الملك أربعة وعشرون ألف منهم الفرسان ستة عشر ألفاً والرجالة ثمانية آلاف فينقسم الفرسان أربعة أقسام أولها الأسخلارية وصاحبهم الدمستق الكبير وهو صاحب فرض ألفروض والرئيس على الجماعة وعدتهم أربعة آلاف فارس والصنف الثاني والحسف وهم أربعة آلاف فارس والصنف الثالث أوموس وهم للحرس وصاحبهم طرنجار وعدتهم أربعة آلاف والصنف الرابع فندارطيبن وهم يخرجون مع الملك إذا خرج في سفر وعدتهم أربعة آلاف وينقسم الرجالة قسمين فالأول منهما يسمَّون أبليمسا وعدتهم أربعة آلاف راجل والباقي يسمون موبرة وعدتهم أربعة آلاف وأما في سائر الأعمال وهي أربعة عشر عملاً منها: واء الخليج القاطع لبلد الروم الذي ينصب نحو الشام وقد تقدم ذكرّه ثلاثة أعمال أحدها طايلا وهو البلد الذي فيه قسطنطينية وحدّه من جهة المشرق الخليج المقدم ذكرّه ومن جهة الجنوب بحر الشام ومن جهة الشمال بحر الخزر ومن جهة المغرب سور ممدود من بحر الشام إلى بحر الخزر طوله مسيرة أربعة أيام وهو من القسطنطينية على رحلتين ويعرف الذي يليه بتراقية وحده من جهة المشرق السور المقدّم ذكرّه ومن الجنوب عمل مقدونية ومن الغرب بلاد البرجان ومن الشمال بحر الخزر وطوله مسيرة أحد عشر يوماً وعرضه من بحر الخزر إلى عمل مقدونية مسيرة ثلاثة أيام والوالي عليه يعرف بالأصطرطيقوس وجنده خمسة آلاف رجل. ودون الخليج أحد عشر عملاً أحدها عمل أفلاغونية وجنده عشرة آلاف رجل ثم يليه نحو الغرب عمل الأبطباط وتفسير هذه اللفظة بالعربية الأذن والعين لأن هذا العمل سرّة بلاد الروم وليس أهله أصحاب حرب لأنه لا يبلغ إليهم مغازي المسلمين ولا غيرهم وحدّه الغربيّ الخليج والشماليّ بحر الخزر والشرقيّ عمل أفلاغونية والجنوبيّ عمل الأبسيق وجنده أربعة آلاف رجل ثم يلي الأبطباط عمل الأبسيق وحده الغربيّ الخليج والشماليّ الأبطباط والجنوبيّ عمل الناطليق والشرقيّ عمل الطرقسيس وجنده ستة آلاف رجل. ثم يلي الأبسيق عمل الطرقسيس وحده من جهة الغرب الخليج ومن الشمال الأبسيق ومن المشرق الناطليق ومن الجنوب بحر الشام وجنده ستة آلاف رجل ثم يليه عمل الناطليق وتفسيره المشرقيّ وهو اكبر أعمال الروم له حدّ إلى الأبسيق في الغرب ومن الجهة الجنوبيّة سلوقية عند بحر الشام ومن جهة المشرق عمل القبادق ومن الشمال البقلار وجنده خمسة عشر ألف رجل وفيه مدينة عمورية التي فتحها المعتصم ويليه عمل سلوقية ناحية بحر الشام وأحد حدوده من المغرب الناطليق ومن الجنوب البحر ومن الشمال الطرقسيس ومن المشرق درب لطرسوس ناحية قلمية واللامس وجنده خمسة آلاف رجل ثم يليه عمل القبادق وحده من جهة الجنوب جبل طرسوس وأذنة والمصيصة ومن جهة المغرب أعمال سلوقية ومن الشمال الناطليق ومن المشرق أعمال خرشنة وجنده أربعة آلاف رجل ثم يلي ذلك عمل خرشنة وأحد حدوده وهو الجنوبيّ يلي القبادق وحدّه يلي دروب ملطية وهو الشرقيّ وحدٌّ يلي عمل الأرمنياق وهو الشماليّ وحدٌّ يلي عمل البقلار وهو الغربيّ وجنده أربعة آلاف رجل ثم يليه عمل البقلار فحدٌ منه عمل الناطليق والأبطباط والثاني القبادق والثالث خرشنة والرابع الأرمنياق وجنده ثمانية آلاف رجل وعمل الأرمنياق فحدٌ منه يلي الأفلاغونية والثاني عمل البقلار والثالث عمل خرشنة والرابع عمل الخالدية وبحر الخزر وجنده أربعة آلاف رجل ثم عمل الخالدية وحدٌ منه بلاد أرمينية والثاني بحر الخزر والثالث أرمنياق والرابع أيضاً من عمل الأرمنياق وجنده أربعة آلاف رجل فجميع جيش الأحد عشر عملاً التي مقابلتنا سوى من لا معول عليه وإنما هو ممن يجيّش فارساً وراجلاً سبعون ألف رجل. ثم نتبع ذلك بوصف أحد أيام الغزوات ليكون علم ذلك محصلاً محفوظاً فنقول إن أجهدها ما يعرفه أهل الخبرة من الثغريين أن تقع الغزاة التي تسمى الربيعية لعشرة أيام تخلو من أيار بعد أن يكون الناس قد أربعوا دوابهم وحسنت أحوال خيولهم فيقيمون ثلاثين يوماً وهي بقية أيار وعشرة من حزيران فإنهم يجدون الكلأ في بلد الروم ممكناً وكأن دوابهم ترتبع ربيعاً ثانياً ثم يقفلون فيقيمون إلى خمسة وعشرون يوماً وهي بقية حزيران وخمسة من تموز حتى يقوى ويسمن الظهر ويجتمع الناس لغزو الصائفة ثم يغزون لعشر تخلو من تموز فيقيمون إلى وقت قفولهم ستين يوماً فأما الشواتي فإني رأيتهم جميعاً يقولون إن كان لا بد منها فليكن مما لا يبعد فيه ولا يوغل وليكن مسيره عشرين ليلة بمقدار ما يحمل الرجل لفرسه ما يكفيه على ظهره وأن يكون ذلك في آخر شباط فيقيم الغزاة إلى أيام تمضي من آذار فإنهم يجدون العدو في ذلك الوقت أضعف ما يكون نفساً ودوابّ ويجدون مواشيهم كثيرة ثم يرجعون ويربعون دوابهم يتسابقون. ولنبدأ بذكرّ ما يليها من الشمال فنأخذ ذات اليمين حتى نأتي على أطراف المملكة ووراء الثغور حتى نعود إلى حدود الروم من جهة الغرب فنقول إن حد الخزر من أرمينية إلى خوارزم من خراسان وكان أنوشروان بن قباذ لما ملك بني مدينة الشابران ومدينة مسقط ومدينة الباب والأبواب بأرمينية وإنما سميت أبواباً لأنها بنيت على طرق في الجبل وأسكن ما بنى من جنده قوماً سماهم السياسجيين ثم لما خاف عادية الخزر كتب إلى ملكهم يسأله الموادعة والصلح وأن يكون أمرهما واحداً وخطب ابنته ليؤنسه بذلك وأظهر له الرغبة في مصاهرته وبعث إليه بابنة كانت في قصره نبنَّت بها بعض نسائه وذكرّ له أنها ابنته وهدى الخزريّ إليه ابنته ثم قدم عليه فالتقيا بموضع يعرف بالبرشلية وتنادما أياماً فأنس كل واحد منهما بصاحبه وأظهر برّه وإكرّامه ثم أن أنوشروان تقدم إلى جماعة من ثقاته وخاصته أن يكبسوا طرفاً من عسكرّ الخزريّ ويحرقوا فيه فلمّا أصبح شكا ذلك إلى أنوشروان فأنك أن يكون علم بشيءٍمنه ولما مضت له ليال أمر أنوشروان أصحابه بمعاودة من كان منهم فلما فعلوا ضجّ الخزريّ من فعلهم حتى رفق أنوشروان به واعتذر إليه فقبل وسكن ثم إن أنوشروان أمر بطرح النار في ناحية من عسكرّه فوقعت في الأكواخ التي اتُّخذت من الحشيش وعيدان الشجر فلما أصبح أنوشروان ضجَّ إلى الخزري فقال كاد أصحابك أن يذهبوا بعسكرّي ويهلكوه ولقد كافأتني بالظنّة فحلف له أنه لم يعلم بما جرى فقال له أنوشروان يا أخي إن جندك وجندي قد كرّهوا صلحنا لإنقطاع ما انقطع عنهم من المسير في الغارات التي كانت تكون بيننا ولست آمن أن يحدثوا أحداثاً تفسد قلوبنا بعد تصافينا وتخالصنا حتى نراجع العداوة بعد الصهر والمودّة والصواب أن تأذن لي في بناء حائطٍ يكون بيني وبينك نجعل له باباً فلا يدخل إلينا من عندك إلا من أردنا فأجابه إلى ذلك وانصرف الخزريُّ راجعاً وأقام أنوشروان لبناء الحائط فبناه وجعله من قبل البحر بالصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع إلى أن ألحقه بالجبال وأمر بحمل الحجارة في السفن وأن ترمى في البحر حتى إذا ظهرت على وجه الماء بني عليها وساق الحائط في البحر ثلاثة أميال فلما فرغ من بنائه علّق على المدخل أبواب حديد ووكّل بها مائة فارس يحرسون الموضع بعد أن كان محتاجاً إلى خمسين ألفاً من الجند وجعل عليه دبابة فقيل للخزري بعد ذلك أنه مكرّ بك وزوّجك غير ابنته وتحصن منك فلم يقدر له على حيلة فصارت غارة الخزر منذ ذلك الوقت على أطراف أرمينية بعد ان كانوا قد أخربوها. ثم يلي هذا الموضع أيضاً ذات اليمين ثغور الديلم وجيلان والببر والطيلسان وكان حصن قزوين يسمى بألفارسية كشوين وتفسيره الحد المرموق وبينه وبين الديلم جبل ولم تزل فيه للفرس مقاتلة من الأسواريّة يرابطون فيه ويدفعون الديلم إذا لم تكن بينهم هدنة ويحفظون تلك الجهة من متلصّصتهم وكانت دشتبى مقسومة بين الري وهمذان فقسم منها يدعى الرازيّ وقسم يدعى الهمذانيّ وكانت مغازي المسلمين في أول الإسلام دشتبى وأبهر وهو حصن زعموا أن بعض الأكاسرة بناه على عيون وأحوال الديلم لم تزل مذبذبة لأنه لا شريعة لهم محصّلة ولا طاعة فيهم مستقرّة لأنهم بعد فتحهم قد نقضوا وكفروا غير مرة وكان منهم في هذا الوقت ما كان من الأمور المستفظعة في قتل الأطفال وألفجور في المساجد وترك الصلاة وفروض الإسلام. ومن الثغور الكبار ثغر الترك ولهم بريّة مما يلي بلاد جرجان يخرجون منها وكان أهلها قد بنوا عليها حائطاً من آجرّ تحصناً من غاراتهم إلى أن غلبت عليهم الترك وملك أرضها ملك منها يدعى صول ثم فتحها المسلمون ومعظم الترك في الثغر الذي بخراسان ويسمى نوشجان وهو وراء سمرقند في المشرق بنحو ستين فرسخاً نحو الشاش وفرغانة وهو أوائل مسالح الخرلخيّة إلى حد كيماك ومن هذا الثغر إلى مدينة التغزغر مسيرة خمسة وأربعين يوماً في براري فيها عيون وكلأ عشرون يوماً ثم قرى كبار خمسة وعشرون يوماً وأكثر أهل تلك القرى مجوس ومنهم زنادقة ومن مدينة التغزغر بحيرة حولها قرى وعمارات متّصلة ولها اثنا عشر باباً من حديد ويحفظها أتراك كلهم والغالب عليهم الزندقة وبين نوشجان الأعلى وبين بلد الشاش أربعون مرحلة للقوافل ولمُغِدّ السير ثلاثون يوماً ونوشجان الأعلى أربعة مدن كبار وخمس صغار ومقاتلة نوشجان في مدينة واحدة على شطِّ بحيرة وهم عشرون ألف رجل بديوان وليس في الأتراك أشد منهم وهم يحسبون عشرة بازاءٍ مائة من الخرلخية والبحيرة التي عليها مدينة التغزغر من بعد يحفّ بها الجبال فأما بلاد كيماك فإنها من طراز مدينة نوشجان الأسفل التي قلنا أنها وراء سمرقند بخمسة وستين فرسخاً يسرة عنها وفي جهة الشمال وبينها وبين طراز مسيرة ثمانين يوماً في صحاري وبراري واسعة كثيرة الكلأ والعيون وليس يكاد المسلمون يغزون الترك لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم تاركوا الترك ما تركوكم وإنما ذكرّنا بلدهم وأحوالهم لما تقدّم من شرطنا أن نذكرّ الأمم المطيفة ببلاد الإسلام واما التبت منهم فإنه يمنة بلاد التغزغر في جهة الجنوب وكان ذو القرنين لما ظفر بفور ملك الهند وقتله أقام ببلد الهند سبعة أشهر وبعث منه جيوشاً إلى تبت والصين فوفد عليه بعض من أنفذه فأعمله أن سائر ملوك المشرق قد أجمعوا على الدخول في الطاعة وأن يؤدوا إليه الأتاوة لما عرفوا ظفره بدارا وفور ملكي الفرس والهند وعدله وحسن سيرته فخلّف على أرض الهند من وثق به في ثلاثين ألفاً وسار حتى أتى بلاد التبت فخرج إليه ملكهم في طراخنته مسلّماً إليه وقال له: بلغني عنك أيها الملك من العدل والوفاء مع الظفر بمن ناوأك ما علمت به أن أمرك كلّه من الله وأحببت أن أجعل يد في يدك ولا أروم مدافعتك عن شيء تريد ولا قتالك فإن الذي يقاتلك ويغالبك إنما يغالب أمر الله ومغالب أمر الله مغلوب فأنا وقومي والملك الذي في يدي لك فمرّ في جميع ذلك بما شئت فردّ عليه الاسكندر جميلاً وقال له: من عرف حق الله فقد وجب علينا حقُّه وأرجو أن تجد عندنا من العدل والوفاء ما ترضى به واسترشده إلى ترك البراري لأن ترك المدن قد كانوا دخلوا في طاعته وسار بني يده وعرض عليه هدايا فأباها ولم يزل يعاوده حتى أجاب إلى قبولها فحمل إليه أربعة آلاف وقر حمار ذهباً ومثلها مسكاً فأعطى عشر المسك لروشنك بنت دارا ملك الفرس امرأته وقسم سائره على أصحابه وجعل الذهب في بيت ماله فقال له ملك التبت في أن يقدمه في جيوشه إلى الصين فأمر الملك باستخلاف ابنه على مملكته فاستخلف مدابيكك ابنه في أرضه بعده وضمّ إليه الاسكندر صاحباً له في عشرة آلاف وسار إلى الصين في مقدّمته والاسكندر في عظم المعسكرّ في إثره فخرج صاحب الصين إليه في عشرة عساكرّ في كل عسكرّ مائة ألف وبعث إلى الاسكندر يذكرّ له ما بلغه عنه من الوفاء وكرّم ألفعل وأنه لم يسعه قتاله مع هذه الحال وأنه لو أراد ذلك ما عجز عنه فسأله أن يأمر بما يريده حتى يمتثله فأجابه الاسكندر وأمره أن يحمل عُشر أرضه على حسب فعل في غيرها من سائر البلاد وأنه إن لم يفعل استعان الله عليه ولم يَهُله كثرة عدده لأن الله قادر على نصرة القليل على الكثير وبعث إليه بهذا الجواب مع جماعة من الفرس والهند وأمرهم ان يعرفوه ما كان من عدله في بلادهم وجميل فعله فيهم وحسن صنيعه إليهم فردّ ملك الصين الجواب بالطاعة ويسأل أن يقبل منه فيما يؤدّيه من عُشر بلاده وصلحه عن الحرير وألفرند وغيره من الآلات فرضي الاسكندر بذلك وقبله منه وكان ما فارقه عليه ألف ألف فرنداً وألف ألف سرقة حرير وخمسمائة ألف كيمخاوة وعشرة آلاف سرج بركبها ولجمها وسيورها وسائر أدواتها وألف ألف مَنَا فضّة وأدّى ذلك وأقام الاسكندر في أرضه حتى بنى مدينة سماها برج الحجارة وجعل فيها من الفرس خمسة آلاف رجل رابطة رأّس عليهم صاحباً له يعرف بنوكليديس وسار من الصين آخذاً في جهة الشمال وصاحب الصين معه حتى انتهى إلى أرض شول ففتحها وبنى بها مدينتين إحداهما شول والأخرى خمدان وأمر صاحب الصين أن يسكن خمدان بجنوده وأن يجعل من أصحابه رابطة بشول ثم سار متوجهاً إلى ترك البرّيّة حتى فتجهم ودوّخهم وبلغه عن قوم لهم عدد جمٌّ من هؤلاء الأتراك ناحية المشرق من جهة الشمال أنهم مفسدون في الأرض فاستشار صاحب الصين فيهم فأخبره أنه لا غنيمة عندهم غير المواشي والحديد وأنه يحيط بهم من ناحية الشمال البحر الأخضر الذي لا مجاز فيه لأحد ومن ناحية المغرب والجنوب جبال ذاهبة في السماء لا ترام ولا لأحد عليها مسلك وإنه لا منفذ لهؤلاء الأتراك إلا من درب واحد ضيّق كالشراك وأنهم في زاوية من الأرض لو سُدّ عليهم هذا المنفذ بقوا فيها وكفى الناس شرهم وزال عن الأرض فسادهم فعلم الاسكندر وجه الصواب فيما أشار به صاحب الصين فسدّ ذلك الوادي وهو السُدّ الذي وصفه الله واقتصّ خبره في القرآن ثم رجع ذو القرنين في أرض الترك أصحاب المدائن وأهل الأوثان حتى انتهى إلى أرض السُّغْد فبنى بها سمرقند والمدينة المعروفة بالدبوسية والإسكندريّة القصوى ثم صار إلى أرض بخارا فبنى مدينة بخارا ثم سار إلى أرض مرو فبنى بها مدينتها وبنى مدينتي هراة وزرنج وخرج على جرجان وأمر ببناء الري وأصبهان وهمذان حتى عاد إلى أرض بابل فأقام بها سنين فإذ قد أتينا على ذكرّ ثغور المشرق فلنرجع إلى ناحية الجنوب وبها ثغر البجّة والنوبة وهم مصالحون على ضريبة تسمى البقط وليس بينهم وبين المسمين محاربة واستقصاء أمر صلحهم يكون في المنزلة السابعة وهي التالية لهذا الباب إن شاء الله وبه القوّة ثم نذكرّ بعد ذلك ثغور الغرب فنقول إن أوّلها إفريقية وهي المسمّى القيروان ولم يزل مذ افتتح مُدَبَّراً من قِبَلِ ملك العراق بعد تولّي بني مروان إلى أن تغلّب عليه في هذا الوقت صاحب المغرب واستولى عليه وتعدّاه إلى برقة فتغلّب عليه زيادة فاما وراء إفريقية فبلاد تاهرت وبينها وبين إفريقية مسيرة ثلاثين يوماً وهي في يد صاحب الإباضيّة وهم ضرب من الخوارج ووراءَ تاهرت مسيرة أربعة وعشرين يوماً بلد المعتزلة وعليهم رئيس عادل وعدلهم فائض وسيرتهم حميدة ودارهم طنجة ونواحيها والمستولي عليها في هذا الوقت ولد محمد بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن حسن عم وكان محمدٌ ينزل وليلة وهي آخر مدائن طنجة فمات بها فانتقل ولده إلى فاس وهم بها إلى هذا الوقت ووراء ذلك بلاد الأندلس والمستولي عليها الأمويُّ ومسكنه فيها في قرطبة والأندلس نهاية الغرب وبها مجتمع البحرين اللذين تقدم وصفنا لهما. تمّت المنزلة السادسة من كتاب الخراج وصنعة الكتابة والحمد لله.
|